في رسالة مفتوحة إلى الشعب العراقي:  تدوين الدستور العراقي الجديد يرسم مرحلة تاريخية و منعطفاَ هاماَ و للعراقيين حصراَ الحق في إن يكتبوا الدستور بأنفسهم لأنفسهم

 

 

الوحدة و التعددية و الإخوة و الشورى و العدل و الإحسان و الحرية مباديء استراتيجية يلزم إن يتضمنها الدستور العراقي الجديد

بمناسبة البحث عن صياغة الدستور العراقي الجديد ‘ وجهت مؤسسة الإمام الشيرازي ألعالميه – واشنطن – رسالة مفتوحة إلى العراقيين ‘ دعتهم فيها إلى توخي الحذر في هذا الموضوع الحساس و الهام ‘ ليأتي الدستور الجديد ضمانة أكيدة لبناء عراق جديد خال من الإرهاب والديكتاتورية و النظام الشمولي ‘ و الاقتتال و الاحتراب و الحروب العبثية ومن الظلم والإجحاف.

كما و دعت الرسالة العراقيين إلى أن يختاروا بأنفسهم لجنة صياغة الدستور بما يضمن توكيد القيم و المبادىء التي يؤمن بها الشعب العراقي و يتبناها كأسس استراتيجية يبنى عليها النظام الجديد .

أدناه نص الرسالة :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و اله الطيبين الطاهرين

قال الله العظيم في كتابه الكريم ( و أمرهم شورى بينهم ) صدق الله ألعلي العظيم .

بعد أن من الله سبحانه و تعالى على الشعب العراقي المسلم الصابر بالخلاص من اعتي أنظمة الاستبداد و الديكتاتورية ‘ النظام ألبعثي المقبور‘ ينشغل العراقيون اليوم فيما ينشغلون فيه – بموضوع كتابة الدستور العراقي الجديد – و الذی یاملون فیه ان یکون مقیاسا لبناء عراق جديد خال من الاستبداد و الديكتاتورية و لعبة الانقلابات العسكرية و الحروب العبثية و القتل و التدمير و تكميم الأفواه و مطارده و اغتيال العلماء و الفقهاء و المفكرين و الكفاءات و تحطيم المؤسسات العلمية.

و لكون الشعب العراقي هو المعني أولا و بالذات و هو صاحب الحق في تدوين الدستور الجديد ‘ و من اجل أن تأتي مواده منسجمة مع ما يتطلع و يصبو إليه الشعب المظلوم لذا فأن من اللازم أولا أن يصار إلى تشكيل لجنة من العلماء و الفقهاء و الأكاديميين المتخصصين ‘ ينتخبها العراقيون بأنفسهم ‘ مهمتهما تدوين الدستور الجديد و عرضه على الشعب لمناقشته و دراسته قبل التصويت عليه نهائيا .

إن تدوين الدستور العراقي الجديد ‘ يرسم معالم مرحلة تاريخية جديدة ‘ و هو منعطف هام في تاريخ العراق و شعبه ‘ و إن للعراقيين فقط الحق المطلق في أن يكتبوا دستور بلادهم بأنفسهم و لأنفسهم .

لقد علمت عقود الإرهاب و الدكتاتورية المقيتة و النظام الشمولي المدمر الماضية، العراقيين تجارب عظيمة، لا يجوز أن يغض الطرف عنها عند صياغة الدستور الجديد، إذا لا بد من الاستفادة من تلك التجارب بما يضمن للشعب العراقي حاضرا أفضل و مستقبلاَ مزدهرا قوامه الوحدة و التعددية و الإخوة و الحرية و الشورى و التنمية و الرفاهية و المساواة و تكافؤ الفرص و التكافل الاجتماعي.

و لقد كان الإمام الراحل المجدد الثاني السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس الله نفسه الزكيه) قد حدد في أكثر من مناسبة و في العديد من كتبه و بياناته المبادئ الاستراتيجية الهامة التالية و التي كان يرى إنها الضمان الأكيد و الحقيقي لبناء عراق جديد بالضد من عراق العهد البائد، نأمل ان يأخذها العراقيون بنظر الاعتبار و هم يهمون بتدوين الدستور العراق الجديد:

إما المبادئ و الأسس الاستراتيجية فهي:

1ـ يجب أن تكون الأكثرية هي الحاكمة في العراق الجديد، كما يجب إعطاء الأقلية حقوقها، فأن الأكثرية كان لها الدور الأكبر في إنقاذ العراق مرار عديدة خلال القرن الماضي ، مرة في ثورة العشرين و مرة أخرى في الحرب العالمية الثانية حيث أفتى العلماء بوجوب إخراج المستعمرين من قاعدة ( الحانية) فتحرك الشعب العراقي بأسره حتى أخرجهم، و مرة ثالثة، أبان المد الإلحادي‘ و قد سجلت الكتب التاريخية تلك الحوادث بتفاصيلها.

و قد قال الله سبحانه و تعالى (و أمرهم شورى بينهم) و قال جل و علا (و شاورهم في الأمر) و ورد في الحديث الشريف (لا يتوي حق امريء مسلم ).

2ـ من الضروري استناد الدولة إلى المؤسسات الدستورية، حيث يلزم منح الحرية لمختلف التجمعات و التكتلات و الفئات و الأحزاب غير المعادية للإسلام في إطار مصالح الأمة كما يلزم أن تكون الانتخابات حرة بمعني الكلمة و أن تتوفر الحرية للنقابات و الجمعيات و نحوها، كما يلزم أن تعطي الحرية للصحف و غيرها من وسائل الإعلام، و يلزم أن تمنح الحرية لمختلف أصناف المجتمع من المثفقين و العمال و الفلاحين و ... كما تعطى المرأة كرامتها و حريتها، و كل ذلك في إطار الحدود الإسلامية الإنسانية، إذ قال تعالى (لا إكراه في الدين)، و قال تعالى (يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم)، و قال الإمام أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام) ( لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله حرا).

3ـ اللاعنف هو منهج العام في الداخل و الخارج، كما قال تعالى ( ادخلوا في السلم كافة) فأنه هو الأصل و نقيضة استثناء.

4ـ يجب أن تراعي حقوق الإنسان بكل دقة حسب ما قرره الدين الإسلامي الذي يتفوق على قانون حقوق الإنسان المتداول في جملة من بلاد العالم اليوم فلا إعدام مطلقاَ إلا إذا حكم ـ في كليه أو جزئيه ـ مجلس (شورى الفقهاء المراجع) إذ في صورة الاختلاف بينهم يكون من الشبهة و (الحدود تدرأ بالشبهات) كما ينبغي تقليص عدد السجناء إلى أدنى حد حتى من الحد المقرر في العالم اليوم كما يجب أن يلغى التعذيب مطلقا و بكل أشكاله و كذلك لا مصادرة للأموال مطلقا.

5ـ و بالنسبة إلى ما سبق يتمسك بـ (عفي الله عن ما سلف) كما عفي الرسول الأعظم عن أهل مكة (اذهبوا فأنتم الطلقاء) و عن غير أهل مكة، و كما صنع ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) و يؤيده ما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) من (أن حديث "الجب" أولى بالجريان بالنسبة إلى المسلمين من جريانه في حق غيرهم) و هو الحديث القائل (الإسلام يجب ما قبله).

6ـ للأكراد و التركمان و أمثالهم كامل الحق في المشاركة في الحكومة القادمة و في كافة مجالات الدولة و الأمة فقد قال الله سبحانه (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم).

و قال الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) (لا فضل لعربي على عجمي و لا لأحمر على اسود إلا بالتقوى) .

7ـ ينبغي أن تتخذ الدولة القادمة سياسة (المعاهدة) أو (المصادقة) مع سائر الدول في إطار مصلحة الأمة كما قام بذلك الرسول الأكرم (صل الله عليه و آله) مع مختلف الفئات غير الإسلامية، بل حتى المشركين.

8ـ المرجع الأخير في دستور العراق الجديد و في رسم السياسة العامة و الخطوط العريضة هو (البرلمان) المنتخب من قبل الشعب العراقي، انتخابا حرأ نزيها و الذي يحظى بثقة العلماء الأعلام و ان الحكومة مسؤولة إمامه، كما أنها مسئوله عن تقديم ميزانيتها للبرلمان و التي يجب أن تنفق بالأساس على التربية و التعليم و الصحة و التنمية و التأهيل و الضمان الاجتماعي و غيرها من أساسيات و حاجيات الحياة الحرة الكريمة.

9ـ العمل الجاد على إحياء مجموعة القوانين الحيوية التي أقرها الإسلام و ثبتها السنة النبوية الشريفة و منهج أئمة الهدى عليهم السلام، منها:

قوانين (بيت المال) و (تسلط الناس على أموالهم و أنفسهم و حقوقهم ) و (من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهوا حق به) و (الأرض لله و لمن عمرها) و غيرها.

فقانون (بيت المال) يسد حوائج المحتاجين مما يرضي الناس المحتاجين منهم و سائر الطبقات أيضا لأن الفائض يقسم على جميع أبناء الشعب.

و قانون (تسلط الناس على أموالهم و أنفسهم و حقوقهم) يمنحهم الحريات الواسعة التي ترضى طبقات المجتمع و تفسح لهم المجال لممارسة حقوقها و نشاطاتها. فأن من طبيعة الإنسان أن لا يرضى بسيادة غيره عليه و بحكمه فيه فإذا أدرك أن الدولة الحاكمة تفسح له المجال في تصرفاته البدنية و المالية ـ إلا في الحرام ـ رضي عن النظام الحكم و تفاعل معه.

و هذا هو السبب في ما نراه من بقاء الحكومات الديمقراطية و طول مدة استمرارها و دوامها و ثراءها الكبير في حين تسقط الأنظمة الديكتاتورية سريعا و بطرق مأساوية و دموية كما رأينا في العراق اليوم، لأنها تجعل الشعب فقيرا و ذليلا لا يجد لحوائجه متنفسا.

كما ان قانون (من سبق) يعطي الإنسان الحق في الاستفادة، من كل خيرات الأرض في إطار الآية المباركة (خلق لكم ما في الأرض جميعا).

و ان هذه القانون منظما إلى قانون (ألأرض لله و لمن عمرها) لا يدع لأي إنسان متمكن من العمل و السعي حاجة الاقضاها و بضميمة قانون (بيت المال) إليها لا يبقى أيضا لإنسان عاجز عن السعي حاجة.

10ـ من الإلزام الاهتمام بالكفاءة في إدارة الدولة العراقية الجدية، لأن الأعمال التقنية و الفنية تحتاج إلى الأمانة و الخبرة كما ورد على لسان نبي الله يوسف (عليه السلام) في القرآن الكريم بقوله (أني حفيظ عليم).

أما ملاحظة الولاء فقط فانه يزيد الأمر تعقيدا لأن معنى ذلك أن تقع إدارة الدولة بيد غير الأخصائيين مما ينتج أخطاء كثيرة و كبيرة، العراق الجديد في غني عنها.

11ـ بالنسبة إلى موضوع الأقليات، فانه من اللازم أن تتعايش الدولة العراقية الجديدة مع الأقليات سلميا، و التي لها أحكامها الخاصة بهاء سواء أكانت أديانا أو غيرها.

كما صنع رسول الله (صل الله عليه و آله) ذلك بالنسبة إلى المشركين فانه (ص) لم يجبرا أحدا على الإسلام في مكة مع ان كثيرا منهم كانوا مشركين بعد فتح الرسول (ص) لها. و أن الأقليات مخيره في القضاء بين أن ترجع إلى قضاة الدولة (المسلمة) أو أن تراجع قضاتهم.

12ـ أن يحافظ العراق الجديد على التعامل بكل الحكمة و التعقل مع كل الدول سوءا سميت مجاورة أم أو لم تسم مجاورة كسائر دول العالم، و سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، لأن من أهم مقومات البناء الجديد هو (حسن الجوار) بأن تحفظ حق الجوار بالأحسن لا ألحسن فقط فقد قال الله سبحانه ( و أمر قومك يأخذوا بأحسنها).

13ـ كذلك يلزم أن يأخذ الدستور الجديد قضايا الاقتصاد و النهوض به و الاكتفاء الذاتي و مكافحة البطالة و الإصلاح الادارى و توفير الحاجات الأساسية لكل المواطنين و محاربة الفساد ‘ و الإصلاح الاجتماعي و العدل و المساواة، بعين الاعتبار، فأن إصلاح كل ما خر به النظام البائد هو من أولى مهام النظام الجديد القائم بمؤسساته و مبادئه و منطلقاته بالضد من مؤسسات النظام البائد و مبادئه و منطلقاته.

نسأل الله سبحانه و تعالى التوفيق و السداد لكل العالمين المخلصين من أجل بناء عراق جديد ينعم شعبه بالحرية و الرفاه و الأمن و الإخوة.

و الحمد الله رب العالمين و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

 

مؤسسة الإمام الشيرازي العالمية

الولايات المتحدة الامريكيه – واشنطن-

السيد مرتضى الشيرازي

2003 -08-22

 

بيانات | الصفحة الرئيسية